one
two
عملت السلطة الفلسطينية منذ شهر شباط من هذا العام على عدم استلام عائدات الضرائب (المقاصّه) التي تجمعها إسرائيل بالنيابة عنها، بعد أن قامت إسرائيل بخصم مبلغ يعادل المبلغ الذي تدفعه السلطة الفلسطينية لعائلات السجناء الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية.  فبموجب بروتوكول باريس، الفصل الاقتصادي لاتفاقيات أوسلو، تقوم إسرائيل بجمع الضرائب المستحقة على المنتجات والخدمات المقدمة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وتسددها بشكل شهري للسلطة الفلسطينية. ويبلغ معدل الدفعة الشهرية حوالي 222 مليون دولار، فإضافة إلى خصم 3٪ من إجمالي المبلغ كرسوم إدارية، تقوم إسرائيل عادةً باستقطاع مبالغ مقابل خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والتحويلات الطبية  وتحويل الرصيد المتبقي إلى السلطة الفلسطينية .

وقد جاءت الخطوة الإسرائيلية بالتزامن مع انخفاض المساعدات الدولية للفلسطينيين بأكثر من النصف، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الازمة المالية للسلطة الفلسطينية، مما دفعها إلى خفض دفع رواتب الموظفين إلى النصف وتعليق جميع الدفعات المستحقة للقطاع الخاص، وكماعملت السلطة الفلسطينية على اقتراض مئات الملايين من الدولارات من البنوك الخاصة لضمان استمرارها.
 
ونظرا لكونها على حافة الانهيار، وفي بداية شهر تشرين الاول، أعادت السلطة الفلسطينية النظر في قرارها واستأنفت استلام أجزاء من عائدات الضرائب، وهي القضية التي يمكن أن تساعد السلطة الفلسطينية على التخفيف من الأزمات المالية المتفاقمة. وقد صرح حسين الشيخ ، وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية ، إنه وبعد التفاهمات التي تم التوصل إليها مع وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون، اتفق الجانبان على إعادة تنشيط اللجان المشتركة وتحويل دفعة من المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية.

three
حسين الشيخ ، رئيس لجنة الشؤون المدنية الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، يعلن عن اتفاق مع إسرائيل لتحويل المدفوعات من المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية


ما بعد الأزمة المالية الفلسطينية: معادلة الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل
رجا الخالدي
 
أ. خلفية

على الرغم من الامتعاض الفلسطيني الواسع تجاه "بروتوكول باريس" ومجمل ترتيبات أوسلو، فإنه ليس واضحاً بعد ما إذا كان الكيان الفلسطيني - السياسي والاقتصادي والاجتماعي - جاهزاً لدفع ثمن تفكيك إطار أوسلو الذي بات بمثابة القفص الحديدي للحركة الوطنية الفلسطينية، وآلية لتسهيل عملية تحكم الاستعمار الاستيطاني الصهيوني بجميع أراضي وموارد فلسطين.

بعد مرور 25 سنة على البروتوكول الموقع في باريس بين إسرائيل وفلسطين والذي يخص العلاقات الاقتصادية، نجد أنفسنا أمام طريق مسدود، لأن الإطار السياساتي الناظم لهذه العلاقات يواجه نهايته المنطقية. لربما كان هذا الاستنتاج وارداً قبل عام 2019 بسنوات، حين أجمعت وجهات النظر الفلسطينية، وكذلك آراء العديد من الجهات الدولية على عدم ملائمة إطار "بروتوكول باريس" أصلاً لاحتياجات الاقتصاد الفلسطيني، وعلى تطبيقه أحادي الجانب في أحسن الأحوال. حتى البنك وصندوق النقد الدوليان لم يعودا يُنكران أن البروتوكول أصبح يوظَّف من قبل إسرائيل كعصا غليظة تقوّض إمكانية بناء اقتصاد فلسطيني "منتج ومستقل وسيادي". وفي السنوات الأخيرة نشرت دراسات وجرت نقاشات عديدة تظهر إمكانيات بلورة سياسة تجارية فلسطينية منفصلة عن قيود البروتوكول، حتى ولو تدريجياً، وفي غياب تحقيق السيادة وإقامة الدولة.

التطورات السياسية والاقتصادية خلال السنة الحالية أظهرت تلك الحقيقة بجلاء أكثر، وخاصة على ضوء الأزمة المتفاقمة للمالية العامة الفلسطينية منذ آذار/ مارس 2019، إثر تطبيق القانون الإسرائيلي باقتطاع جزء من الإيرادات الضريبية التجارية الفلسطينية التي تحول شهرياً (أموال المَقاصة)، وهو الجزء المساوي للمخصصات المالية الفلسطينية لأسر الأسرى التي يكفلها القانون الإنساني الدولي واتفاقية جنيف الرابعة. كشف الموقف الرسمي الفلسطيني بعدم قبول أيِّ أموال مقاصة منقوصة، والذي لاقى تأييداً شعبياً واسعاً، عن عمق الرغبة (والحاجة) الفلسطينية "لفك الارتهان" بالاقتصاد الإسرائيلي، والتحرر من تمسك الأخير بجميع مفاتيح التنمية الاقتصادية الفلسطينية.

بغض النظر عن المصير المباشر لهذه المواجهة، ومدى توسع رقعة الأزمة المالية وآثارها لتشمل جميع قطاعات الاقتصاد، وذلك بحلول نهاية العام، فإنه لم يعد ممكناً العودة إلى حالة "الأعمال كالمعتاد" في العلاقة الاقتصادية الفلسطينية - الإسرائيلية التي أصبحت، كبقية العلاقات السياسية والأمنية والمدنية، متأزمة وخاضعة لمراجعة شاملة من قبل كافة فئات وطبقات ومؤسسات الشعب الفلسطيني. ومع أنه لا لبس في الامتعاض الفلسطيني الواسع تجاه البروتوكول ومجمل ترتيبات أوسلو، فإنه لا يبدو ما إذا الكيان الفلسطيني (السياسي والاقتصادي والاجتماعي) جاهزاً لدفع ثمن انهيار أو تفكيك إطار أوسلو، أو ما إذا كان قادراً على بلورة رؤية ثابتة، واستراتيجية قابلة للتنفيذ، للتعامل مع تداعيات الأزمة الحالية المالية وتبعاتها الاقتصادية المحتملة.

إن مقتضيات المرحلة السياسية الجديدة، إذا صدقت القرارات والتصريحات الرسمية الأخيرة، ستتطلب جهوداً غير مسبوقة للانفكاك الملموس عن قبضة الاحتلال الاقتصادي والسياسي والأمني التي تحول دون تقدم المشروع التحرري الوطني الفلسطيني. 
لقد فشل بروتوكول باريس في تحقيق أهدافه "المعلنة" (والمأمولة فلسطينياً) في تغيير بنيوي في الاقتصاد الفلسطيني وتبعيته الخارجية، وفشل الرهان على تعهدات الحكومات الإسرائيلية، بينما نجح تطبيق البروتوكول فعلاً في تقويض الطموحات الفلسطينية بالاستقلال وفي إبقاء ولاية السلطة الفلسطينية ووظائفها إدارية وغير سيادية.

تظهر أبرز خمس قنوات تربط الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي الأهمية النسبية لمسألة إيرادات المقاصة بين مختلف جوانب الارتهان الاقتصادي، التي لا بد من وضع سياسات وخطط عاجلة للتقليل منها أو انهائها، إذا كانت المواجهة الحالية ستؤدي فعلاً الى تغيير قواعد لعبة باريس/أوسلو السائدة، او تمهد للتخلي عنها تماماً.


ب. خمس محاورلالتبعية الاقتصادية الفلسطينية المفروضة على الاقتصاد الاسرائيلي

علاقات التبعية الاقتصادية المفروضة على فلسطين تسخّر لخدمةً سياساتها الأمنية والاستعمارية العليا، وهي لا تقتصر على الجانب المالي، بل تشمل عدد من المحاور/ المفاصل الحيوية بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني (وبدرجة أقل أهمية بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي).

  1. التسرب المالي نحو الخزينة الإسرائيلية

من أكثر الترتيبات المالية المعقدة حساسية وحيوية، التي انطوى عليه العمل ببروتوكول باريس هي آلية احتساب وتحويل المستحقات الضريبية الفلسطينية (المقاصة) التي تجبيها اسرائيل على الواردات الفلسطينية منها (القيمة المضافة)، وعلى الواردات الدولية المباشرة الى فلسطين (القيمة المضافة والجمارك والمكوس وضريبة الشراء على بعض الواردات). وبالاضافة الى ما تتيحها هذه العملية من فرص لإسرائيل للقرصنة المالية حينما تشاء، فان مجمل أوجه العلاقة التجارية الفلسطينية – الإسرائيلية في سياق أوسلو/ باريس تتضمن  ترتيبات تُلحق  خسائر كبيرة بالخزينة الفلسطينية. يشمل ذلك عائدات ضريبية كان ينبغي ان تسجل لصالح السلطة لكنها إما تجبى من قبل الخزينة الإسرائيلية (ما يسمى بالواردات غير المباشرة الى فلسطين ويكون قد تم استيرادها الى إسرائيل قبل إعادة تسويقها في فلسطين)، أو البضائع المهربة التي تدخل السوق المشترك دون ان يُدفَع ما يلزم من الضرائب، وما يتصل بذلك من تهرب ضريبي.

 في آخر دراسة شاملة لكافة أشكال الخسائر المالية التي تتكبدها الخزينة الفلسطينية جراء العمل في إطار البروتوكول واتفاقيات أوسلو - تصدر قريباً عن ال"أونكتاد" -  قُدِّرت قيمة هذه الخسارة السنوية (في 2017) بما يزيد عن مليار دولار، أو ما يعادل حوالي ثلث الايرادات الحكومية الفعلية أو 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. مثل هذا التقدير (حتى دون احتسابه بأثر رجعي) يشير الى حجم العبء المالي للاحتلال. وقنوات النزيف المالي هذه لفلسطين بفضل البروتوكول هي ما يمكن استهدافها في المساعي الفلسطينية للانفكاك من قبضته.




  1. تدفق العمالة الفلسطينية الى داخل إسرائيل ومستوطناتها

من بين مآسي إرث بروتوكول باريس أن أقوى حجة لدى الطرف الفلسطيني لقبول صيغة الاتحاد الجمركي خصت عدد العمال الفلسطينيين في السوق الإسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة قبل 1993 الذي كان يشكل حوالي  20-25  في المئة من عدد العاملين الفلسطينيين الإجمالي، وكان دخلهم من العمل في إسرائيل يشكل نسبة 20 - 30 في المئة من الدخل القومي الفلسطيني حتى بداية التسعينيات الفائتة. وحيث أنه لم يكن من الممكن استيعابهم في المدى القصير (سنوات أوسلو الخمس المفترضة) في الاقتصاد المحلي، فقد تم القبول بصيغة "السوق المشترك" المفتوح (افتراضياً) أمام تدفق السلع والعمالة، على أمل العمل خلال تلك الفترة على بناء الاقتصاد المحلي المنتج والمولد لفرص العمل، بما يسمح لاحقاً بالاستغناء التدريجي عن الاعتماد على السوق الإسرائيلي لتشغيل القوة العاملة الفلسطينية.

لم تستهدف السياسات الفلسطينية المتبعة خلال السنوات الأخيرة تغيير هذه العلاقة. وعلى الرغم من اخراج جميع عمال قطاع غزة من المعادلة (وارتفاع البطالة هناك عام 2018 الى  52 في المئة)، عاد اليوم عدد العمال الفلسطينيين داخل السوق الإسرائيلي من الضفة الغربية وحدها الى ما كان عليه قبل 25 سنة، أي حوالي 127 ألف عامل، ما يمثل 13 في المئة من اجمالي العاملين الفلسطينيين اليوم (و20 في المئة من العاملين في الضفة الغربية)، يسهمون بتوليد 15 في المئة من الدخل القومي – وهي نسب تقارب تلك التي كانت سائدة قبل 25 سنة.

هذا يبرز وجه آخر لفشل البروتوكول في إحداث أهدافه "المعلنة" (والمأمولة فلسطينياً) في تغيير بنيوي في الاقتصاد الفلسطيني وتبعيته الخارجية، وفشل الرهان على تعهدات الحكومات الإسرائيلية، بينما نجح تطبيق البروتوكول فعلاً في تقويض الطموحات الفلسطينية بالاستقلال وفي في إبقاء ولاية السلطة الفلسطينية ووظائفها إدارية وغير سيادية.   هذا الاستنتاج ينذر بأخطار محدقة لاستقرار الاقتصاد الفلسطيني في أية لحظة تقرر إسرائيل لأسباب أمنية أو سياسية عقابية تقليص عدد تصاريح العمل او التجارة الممنوحة أو مكافحة العمالة غير المرخصة، ويبقي سوق العمل الفلسطيني رهينة قرار جائرلأي ضابط صغير في الإدارة العسكرية الإسرائيلية.
four
3. الاعتماد على الواردات السلعية من الأسواق الإسرائيلية أو بواسطة موانئها

ربما تكون أشد نقطة اختناق في العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل هي تحكم الأخيرة بكافة الحدود والموانئ والمعابر التجارية المؤدية الى ومن الأراضي المحتلة. طبعاً هذا يشكل عائق رئيس امام وصول الصادرات الفلسطينية السلعية الى الأسواق الاقليمية والعالمية ويزيد من تكلفة النقل والتخزين والتخليص التجاري في الاتجاهين (الصادرات والواردات). هذا المحور الرئيسي لسيطرة الاحتلال على الاقتصاد يوثر حتماً على سهولة تدفق حوالي 1.2 مليار دولار من الصادرات الفلسطينية (التي تقصد حوالي 82 في المئة منها إسرائيل) و5.3 مليار دولار من الواردات (حوالي 55 في المئة منها مصدرها إسرائيل والبقية من أوروبا وآسيا والدول العربية، وهناك ربما أكثر من 40 في المئة من تلك الحصة الأخيرة تصنف كواردات مباشرة).
 
هنا أيضاً يعتبر البروتوكول الإطار الناظم لإدامة التبعية التجارية لإسرائيل، على الرغم من أن اقتصادها ليس الجهة الأساسية المستفيدة من هذا التحكم. لكن سلطات اسرائيل الجمركية والضريبية والأمنية تسيطر على 100 في المئة من التدفقات التجارية الفلسطينية الفعلية.  ليس من السهل تخفيف هذه القبضة طالما تحرم السلطة الفلسطينية من التواجد عند المعابر التجارية، وطالما الواردات غير المباشرة (المسموحة ضمن الاتحاد الجمركي) تدخل الأسواق الفلسطينية دون قيد أو شرط، وطالما أن المصدرين والمستوردين الفلسطينيين محرومين من الاستفادة من التزامات إسرائيل الدولية في إطار اتفاقية تسهيل التجارة العالمية (2013)، الخ...


4. الاحتكار الاسرائيلي في توريد الطاقة لفلسطين وفي التصرف بالموارد الطبيعية

تهيمن القوة القائمة بالاحتلال منذ 1967 على سوق الطاقة الفلسطينية، ولم تغير اتفاقيات أوسلو ذلك الوضع بل كرسته. منذ 1994 منحت امتيازات لشركات إسرائيلية لتوريد البترول والديزل والغاز للسلطة الفلسطينية التي بدورها توزعها بواسطة شركات القطاع الخاص. يستورد الاقتصاد الفلسطيني عبر مستوردين اسرائيليين ما يعادل 800 مليون دولار سنوياً من مشتقات النفط، ما يساوي حوالي 15 في المئة من اجمالي فاتورة الاستيراد السنوي. على الرغم من أن البروتوكول يتيح للسلطة الفلسطينية استيراد الطاقة من الأردن إذا رغبت، فأنه لم تتم مناقشة هذا الخيار جدياً سوى منذ تولي رئيس الوزراء الجديد محمد اشتية مقاليد ادارة السلطة. كذلك لا تتمتع السلطة الفلسطينية بأية قدرة لتوليد الكهرباء (ما عدا جزئياً في غزة من خلال محطة التوليد الفلسطينية الوحيدة)، وتعتمد كلياً على شركة الكهرباء الاسرائيلية (المحتكرة لتوليد الطاقة) لاستيراد جميع احتياجاتها، والبالغة حوالي 534 مليون دولار عام 2017. لم تستثمر السلطة في بناء قدرتها التوليدية قبل 2018، حين باشر صندوق الاستثمار الفلسطيني (الصندوق السيادي الفعلي) في بناء محطة توليد كهرباء مشغل بالغاز في جنين - شمال الضفة الغربية، ومنطقة توليد طاقة شمسية قرب أريحا.

يتجلى ايضاً في قطاع الطاقة والموارد الطبيعية مدى وعمق الترابط العضوي (وإن المفروض) بين الاقتصادين، حيث هناك مصالح مالية تستفيد منها بعض الأطراف في كلا الجهتين من استمرار الوضع القائم وتعطيل أي تحول جذري في المعادلة. كما تظهر حساسية الترابط بين مثل هذه القناة للتبعية والأزمة المالية الحكومية، حيث تقوم إسرائيل، على سبيل المثال، بالاقتطاع من أموال المقاصة قيمة الديون المتراكمة لديها لحساب شركات توزيع الطاقة الفلسطينية. لا تستطيع تلك الشركات دفع كامل فاتورة مشترياتها من إسرائيل بسبب مشاكل عديدة، من الفاقد من التيار بسبب الحالة المتردية للشبكة، وسرقة التيار، وضعف جباية فواتير القطاع الخاص والمنزلي.
هكذا، حتى إذا استطاعت فلسطين تفادي اجراء عقابي مالي معين، هنالك دائماً قنوات بديلة يمكن لإسرائيل من خلالها تضييق الخناق على الشعب الفلسطيني.


5. الالتزام الفلسطيني بالنظام التجاري والجمركي الاسرائيلي والحرمان من السيادة النقدية

بحسب البروتوكول فالعلاقة الاقتصادية بين الطرفين ليست فقط باتحاد جمركي (الذي يخص فحسب التجارة)، لكنها تصل الى درجة اتحاد اقتصادي كامل، مشوه وغير متوازن طبعاً. ينص البروتوكول على تشابه الأنظمة الضريبية غير المباشِرة (القيمة المضافة) وعلى السيادة النقدية الاسرائيلية وعدم السماح للجانب الفلسطيني بإصدار عملة وطنية، ما يحرمها من ممارسة السياسة الاقتصادية الكلية من خلال التدخل في تحديد اسعار صرف العملات ونسب الفائدة. بينما يعتبر الإحجام عن اصدار عملة فلسطينية في غياب السيادة السياسية والاقتصادية منطقي ومعقول (نظرياً وسياسياً)، فأن هذا القيد الاضافي يُظهِر ضيق الحيز المتاح لمتابعة اية سياسة تنموية اقتصادية ناجحة، ويحاول أكثر من أي عنصر آخر ربط المصير الاقتصادي الفلسطيني بالإسرائيلي. 
five
ج. الطريق الى التنمية: انفصال، انفكاك، فك ارتهان؟

على ضوء استعراضنا للوضع المالي والاقتصادي الفلسطيني الصعب للغاية، وللأوجه المتعددة والمترابطة لمصفوفة السيطرة الاستعمارية الاقتصادية، تتضح ليس فقط طبيعة "الورطة" التي يمثلها بروتوكول باريس بالنسبة لمعيشة الشعب الفلسطيني اليومية ولحريته في تقرير مصيره ولموارد الخزينة العامة، بل ايضاً حجم التحدي الكامن في محاولة تغيير "مسار التبعية الاقتصادية الضار" الذي بداء مع احتلال 1967 وجسدته اتفاقيات أوسلو دون مخرج منه حتى اليوم.

هناك بعض الآراء (بين دولية وإسرائيلية وحتى فلسطينية) تدّعي حتمية بقاء العلاقة بين الاقتصادين لأسباب جغرافية، أو أمنية/سياسية، أو حتى بمزاعم وجود فوائد اقتصادية لفلسطين بفضل العلاقة مع احدى أكثر الدول تقدماً اقتصادياً. من هذا المنطلق، هناك أصوات كانت وما زالت تنادي من باب "الواقعية" بإمكانية اصلاح بروتوكول باريس أو عدم التخلي عنه لأن تفكيكه سيكلف أكثر بكثير من اية فوائد محتملة لأي بديل عنه.

لكن إذا كان هناك فعلاً إقراراً بأن هذه الترتيبات لا تحرم فلسطين من انتهاج مسارها التنموي المناسب فحسب، بل تعتبر في جوهرها، وخاصة في ظل موازين قوى إقليمية وعالمية معادية للحقوق الفلسطينية،  نقيضة لجميع مقتضيات التحرر والاستقلال والسيادة، فأنه لا يمكن تجاهل تلك الحقيقة الى ما لا نهاية. وإذا كانت المواقف والتوجهات السياسية المالية الفلسطينية الأخيرة ستأخذ على محمل الجد، فأن ذلك ينطوي على تحقيق "الاستقلال" في الطاقة والتصنيع والتجارة والعمالة والمالية والنقد، حتى ولو تدريجياً، وتبني أجندة عمل طموح وصعب المنال. باختصار ما هو مطروح اليوم هو بناء اقتصاد مقاوم رسمي وخاص وشعبي، بكل معنى ذلك المفهوم، من أعلى الى أدنى الهرم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، في المزرعة والمصنع والبنك والوزارة، وفي كل ساحة مواجهة (الضفة، غزة، القدس) بالوسائل والموارد المتاحة.
 
رجا خالدي هو خبير اقتصادي في التنمية بواقع أكثر من 35 عامًا من الخبرة. يشغل رجا حاليًا منصب منسق الأبحاث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني. عمل السيد الخالدي مع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ، حيث وصل إلى منصب رئيس مكتب الأونكتاد لمدير استراتيجيات العولمة والتنمية ، الذي عقده لمدة 5 سنوات. ومن عام 2000 إلى عام 2007 ، عمل كمنسق لمساعدة الأونكتاد للشعب الفلسطيني. خلال عمله في هذا المجال، قدم رجا الدعم التقني لعدة مؤسسات فلسطينية مثل وزارة الاقتصاد الوطني، و وزارة المالية، وهيئة تشجيع الاستثمار الفلسطينية بالاضافة الى عدة شركات من القطاع الخاص. يحمل رجا شهادة البكلوريوس في السياسة والفلسفة والاقتصاد من جامعة اوكسفورد وشهادة الماجستير في الاقتصاد من جامعه SOAS في لندن. 
six
يتم تقديم مؤشرحل الدولتين (TSI) من خلال مبادرة جنيف ، وهي منظمة فلسطينية إسرائيلية تعمل على تعزيز اتفاقية سلام متفاوض عليها بروح رؤية الدولتين ، ويعكس وجهة نظر ثنائية فريدة.
إذا كنت تعتقد بأننا أغفلنا شيء ما هذا الشهر، أرسل لنا نصائح وتعليقات هنا
pic7
تم إصدار هذا المنشور بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي. ومحتوياته هي مسؤولية فريق تحرير مؤشر جنيف لدولتين وحدها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر الاتحاد الأوروبي.

اعلان
هذه الرسالة من مؤشر حل الدولتين، تحالف السلام الفلسطيني – مبادرة جنيف، رام الله، فلسطين. إذا رغبتم بعدم استلام هذه الرسالة 
يرجى إبلاغنا على البريد الإلكتروني info@ppc.org.ps أو بضغط "إلغاء الإشتراك" أسفل هذه الرسالة.

لإلغاء الاشتراك، اضغط هنا

Powered by Publicators

Powered by Publicators